Monday, December 3, 2012

هل أصبحنا شعباً لا يهتم سوى بالمظاهر؟؟



لا يمر عليّ يوم إلا و بوادر الاهتمام المبالغ فيه بالمظهر و الأمور السطحية تترصد بي من كل جانب. الحقيبة يجب أن يضاهي سعرها الألف دينار. السيارة يجب أن تكون فوق العشرين ألف دينار. الملابس يجب أن يكون عليها اسم المصمم بصورة لافتة و كأنها إنذار حريق!ا

لا ضرر في اقتناء ماديات باهضة الثمن طالما لا يُعلن المرء إفلاسه بعد شرائها و طالما تعكس ذوقاً شخصياًّ . لكن الضرر يتم عندما يكون الهدف هو حب الظهور و مجرد تأكيد لكل الناس بمختلف مستوياتهم أن هناك قدرة على الشراء. المشكلة أصبحت ظاهرة و "موضة" اجتماعية متفشية في المجتمع كوباء لا تطعيم ضده و لا علاج له

أين ذهب الذوق الشخصي الذي يعبر عن شخصية صاحبه؟  لما الكل في سباق لتحصيل ما على قائمة المشتريات الاجتماعية المزيفة؟ لم الجميع يريد أن يسير كإعلان تجاري لكل ما هو غالٍ و ليس بالضرورة جيد؟! وصل الهوس بهم  لدرجة أن يحمّل الشخص نفسه ديناً لا داعي له في سبيل حب الظهور! و أحيانا يصل بهم الحال إلى ارتداء ما هو تقليد و زائف - فقط ـ للعب لعبة الظهور هذه! بئس اللابس و الملبوس!ا

طبعاً، هناك منافسة ثمينة لا تمت للذوق بِصِلة بين اللاعبين، و هي  مسابقة من يرتدي أثمن الثمين؟ فإن كانت حقيبة "الماركة الفلانية" التي تحملها الفنانة الفلانية المشهورة أثمن و أقل جودة من مثيلاتها من الحقائب الغير ذائعات الصيت، فيجب و لا بد أن تتم عملية شراء الأغلى لأن البقاء في نظر المجتمع للأثمن و ليس للأجود!ا

 
اعرف فتاة ماهرة تصمم الملابس و لكن تبيعها بأضعاف السعرالأصلي . السبب حين سألتها كان: "لم يشترِ احدهم ايا من تصاميمي حين كان ربحي ٢٠٪ .. لكن زاد الاقبال و الطلب، و نفذت البضاعة حين جعلت ربحي أضعاف ذلك!"!!ا 

شعار "الأغلى ثم الأغلى و لا نريد إلا الأغلى" شعار مزيف لا تهتف به الشعوب المثقفة التي تقدر الجودة. لم أصبح هدفنا التبجح أمام الآخرين بقدرتنا الشرائية؟  لم أنا كفرد يجب أن أفكر مليّاً بتأثير ما سأشتريه على الناس ، و ليس بما أريده فعلا؟.

إن مرض حب الظهور هذا لا يقتصر على الماديات فقط ، بل على البشر أيضاً!!! "من هم أصحابك؟ مشهورون؟ ذوي نفوذ؟ كيف تتجرأ على مصاحبة إنسان فقير اجتماعياًّ و إن كانت ثقافته لا مثيل لها؟". مرض عسر طال كل شيء حتى الزواج! "نتزوج من العائلة الفلانية لان الاسم اكثر ابهارا من الاسم الآخر". و لكن ماذا عن شريك الحياة ذاته؟ "غير مهم"!" المهم هو الفستان.. المكان.. وجهة السفر... السكن الفسيح بقرب ذوي النفوذ.. و أن نكون مثل فلان و علان فهم ليسو أفضل منا بشيء".  إنه مرض حب الظهور و التقليد!ا
 
كل شيء يتم اختياره هذه الأيام لا يعكس ذوقاً شخصياً و لا يعكس جوهر الإنسان. بل هو ذوقٌ  اجتماعي موحد يُظهر الجميع بمظهر واحد. يذكرني بعمليات التجميل التي جعلت من سيدات العصر الحديث متشابهات بأنوف مقشوطة ، و شفاه منتفخة ، و بوجوه ذات ملامح جامدة ، و كأنهن جميعهن من أم واحدة. للأسف،  فُقدت الشخصية في هذه المسابقة الاجتماعية التافهة

إن الذوق الموحد سيء جدا ، و أجمل مافي البشر الاختلاف و التميز. فكلٌّ له طريقة تفكيره و كلٌّ له  عين مختلفة ترى الجمال بطريقة مختلفة! فلماذا لا يكون ذوقنا تعبيراً لجمال شخصيتنا و تفردها و ليس بذوقٍ مصنفٍ و محسوب مسبقا لا يحمل في طياته أيّ خيال أو جمال أو تميز؟